المقدمة
إنّ التشبيه المركب أحد التقسيمات
المتعددة لأنواع التشبيهات في علم البيان، كما أنه أحد أقسام التشبيهات باعتبار
طرفي التشبيه من المشبه والمشبه به. بعبارة أخرى، سيدور هذا المبحث حول المشبه
والمشبه به كثيرا بالنسبة لركني التشبيه من أداة التشبيه و وجه الشبه.
و يقتصر الباحث في بحثه العلمي على اكتشاف التشبيه المركب،
باعتباره موضوعا في علم البيان مع إتيان الباحث بالبيان والتفصيل عن الأمور التي ترتبط
بالتشبيه المركب من حيث مفهومه وماله من العلامات الدالة على قضية هذا النوع من التشبيه.
تحديد المسألة
بعد تأمل النظر إلى موضوع المقالة والاطلاع على صفحات
المصادر، فقد كوّن الباحث وحدّد البحث العلمي بشتّى العناصر التي تتبلور في نقاط
عديدة، هي :
1.
ما هو التشبيه المركب ؟ و ما موقفه في علم البيان ؟
2.
اذكر أمثلة التشبيه المركب مع تحليلها ببيان تفصيلي !
3.
ما أوجه الفروق التي تميز بين التشبيه المركب والمتشبيه
المفرد ؟
4.
اذكر وجهتين متولدتين من التشبيه المركب ! هات مثالا لكل
منهما !
الفصل الأول : التشبيه المركب وموقفه في علم البيان
إن
التشبيه المركب، هو التشبيه الذي يكون المشبه فيه مركّباً، والمشبه به مركباً.
يراد بالمركب هنا ا
لصورة
المكونة من عدد من العناصر المتشابكة المتماسكة، فقولنا : هذا الرجل السمين الذي
يرقص فى الساحة يشبه الفيل في حلبة الألعاب. فتعبيرنا عن ( الرجل ) لم يكن مفرداً،
أو بالأصح مجردا من كل صفة، و إنما قصدنا الرجل المتصف بالسمن والراقص فى الساحة و
هذه الأوصاف هي التي جعلته (مركباً).
وهو
التشبيه الذي يكون على شكل لوحة تُصَوَّرُ أكثر من مفرد، ووجه الشبه فيه لا يكون
مأخوذا من مفرد بعينه، بل يكون مأخوذا منه و من غيره، أو من الصور العامة.
احتل موقف
التشبيه المركب في علم البيان كأحد أقسام التشبيه باعتبار طرفيه عن غيره من
التشبيهات الأخرى، هي: التشبيه المفرد، وتشبيه التسوية، وتشبيه الجمع، والتشبيه المتعدد،
والتشبيه المركب. ويندرج تحت التشبيه المركب نوعان اثنان من التشبيه، وإن هذا النوع من التشبيه يقتصر على البحث فى قضية
المشبه والمشبه به فقط دون ركني التشبيه من وجه الشبه وأداة التشبيه.
الفصل
الثاني : أمثلة التشبيه المركب وتحليلها
كأن سُهَيْلًا والنُّجُوْمُ وَرَاءَهُ صُفُوْفُ صَلاةٍ قَامَ فِيهاَ إِمَامُها
إن ( سُهَيْلًا ) نجم من نجوم السماء، فهو في هيئته،
والنجوم الأخرى مصطفة خلفه، يشبه المسجد الذي وقف في محرابه للصلاة، ووقف الناس
وراءه – صفوفا متتابعة متراصة.
فالمشبه هنا مركب من سهيل النجوم والأخرى وراءه، والمشبه
به كذلك مركب من الإمام القائم فى المحراب، والمصلون وراءه صفوف متتابعة.
قال بشار
ابن برد :
كَاَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُؤُوْسِنَا وَأَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهُ
و إذا
نظرنا إلى هذا المثال وجدناه يختلف عن سابقته، فبشار لا يريد تشبيهه فى المثال
مجرد تشبيه مثار الغبار بالليل والسيوف والكواكب على انفراد فحسب، بل أراد أكثر و
أروع من ذلك، أراد أن يشبه منظر الغبار الثائر فى المعركة من اضطراب السيوف
ولمعانها على أيدي المحاربين فيها –يشبه هذا المنظر- بصورة ليل مظلم تهاوت فيه
الكواكب، فكل من المشبه والمشبه به ليس مفردا ولا متعددا بل صورة مركبة من الأمور
قد تلاءمت وتلاحمت.
ويصف بشار
معركة بين جيشين يقتتلان بالسيوف، و قد انعقد عليهما غبار كثيف ملأ الجو قتاما
وكان سبيله في هذا الوصف ( التشبيه المركب ).
فالمشبه :
مركب من النقع مثارا فوق الرؤوس، ومن السيوف اللامعة الصاعدة والنازلة تضرب برؤوس
الاعداء وبجسومهم. والمشبه به : مركب من الليل، وهو دامس مظلم، ومن الكواكب
اللامعة التي تتهاوى فيه.
و شبّه
صورة الغبار المثار بحركة القتال والذي تتهاوى داخله أسياف المقاتلين على أعدائهم
بصورة ليل تتهاوى على الأرض كواكبه. ووجه الشبه الجامع بينهما الهيئة الحاصلة من
هُوِّيَ أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار، ومتفرقة في جوانب شيء مظلم، وتظهر
فيها الحركة التي زادت التمثيل حسنا.
الفصل الثالث : أوجه الفروق بين التشبيه المفرد والمركب
إن التشبيه باعتبار طرفيه، أو تشبيه شيء بشيء قائم على
ملاحظة وجود عنصر أو أكثر من عناصر التشابه بينهما، وبهذا ينقسم التشبيه إلى قسمين
:
القسم الأول : التشبيه البسيط ( التشبيه المفرد )
إن
التشبيه البسيط عبارة أخرى عن التشبيه المفرد، وهو التشبيه المشتمل على التشبيه
بمفرد، لأن المشبه يشابه المشبه به بوجه من الوجوه، أو جانب من الجوانب كتشبيه
الجاهل بالأعمى، والعالم بالبصير، والجهل بالظلمات، والعلم بالنور. والمفرد فى
البلاغة غير المركب، فإذا قلنا : هذا الولد نظيف، فإن قولنا يدل على مفرد، وكذلك
لو قلنا : هذان الولدان نظيفان، وهؤلاء الأولاد نظيفون، فهي جميعا مفردة بلاغياً.
القسم الثاني : التشبيه المركب
وهو
التشبيه الذي يكون على شكل لوحة تُصَوَّرُ أكثر من مفرد، ووجه الشبه فيه لا يكون
مأخوذا من مفرد بعينه، بل يكون مأخوذا منه و من غيره، أو من الصور العامة. أو
الصورة المكونة من عدد من العناصر المتشابكة المتماسكة التي يكون المشبه فيه
مركّباً، والمشبه به مركباً.
الفصل الرابع : وجهتان من التشبيه المركب وأمثلتهما
وهذا التشبيه المركب يكون على وَجْهَيْنِ :
الوجه
الأول : ما كان على
شكل عناصر متلاقية تقابل أمثالها في المشبه به، كتشبيه الإنفاق في سبيل الله
بإخلاص، بالزرع الذي تزرع فيه الحبوب في أرض طيبة مباركة، فتنبت الحبة منها سبع
سنابل، في كل سنبلة مائة حبة.
هنا نلاحظ
أن الإنفاق يشبه عملية الزرع، وتنمية الله له يشبه النبت الجيد، مضاعفة الأجر تشبه
تكاثر السنابل من الحبة الواحدة، وتكاثر الحب في كل سنبلة. هذا التشبيه نجده في
قول الله تعالى : ( مَثَلُ الَّذِيْنَ
نيُنْفِقُوْنَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنَاِبِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللهُ يُضَاعِفُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ ).
ومنه قول
أبي فراس الحمداني يصف رَوضَتَيْنِ مُزَيَّنَتَينِ بأنواع الزهور ذات الألوان
المختلفة الزاهية، ويجري بينهما نهر صافٍ :
وَ المــــــَــاءُ يَفصِلُ بَينَ رَوضِ الَّــــــــــــ ــــــــــزهرِ فىِ الــــــشَّطَّينِ فَــــــصْلا
كَبِســَــــــاطِ وَشْــــــــــــــــــــــيٍ جَرَّدَت أَيدِي القُيُونِ عَلَيــــــــــــهِ نَصْـــــــــــلا
إن وجه
الشبه في هذا التشبيه منتزع من متعدد في صورة واحدة، إلا أننا لدى تحليل هذا
التشبيه نلاحظ أنه جاء على شكل عناصر متلاقية تقابل أمثالها فى المشبه به.
-
فالنهر بين الروضتين يشبه السيف المجرد الصقيل المطروح
في وسط البساط الموشّى
-
والروضة الواقعة على يمين النهر تشبه قسم البساط الواقع
على يمين السيف المجرد
-
والروضة الواقعة على يسار النهر تشبه قسم البساط الواقع
على يسار السيف المجرد
دلّ تجريد القيون للسيف على
أنه سيف جديد صقيل يتلامع، وهذا يدل على أن ماء النهر صافٍ شديد الصفاء، وهذا يدل
على أنه نهر جارٍ من نبع، فليس ماءً راكداً آسناً، وليس ماء سيل كدر.
الوجه
الثاني : ما كان على
شكل وحدة مركبة متداخلة تعطي بجملتها وجه الشبه، دون ملاحظة التقابل الجزئي بين
المشبه والمشبه به.
كالمثل الذي ضربه الله عز وجل لفريق من
المنافقين، بقوله :
( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِى اسْتَوْقَدَ نَارًا
فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُوْرِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي
ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُوْنَ # صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يُبْصِرُوْنَ )
تضمن هذا
التمثيل تشبيها لحالة الصنف الأشد من صنفي المنافقين، وهو الصنف الذي مرد على
النفاق، بعد رؤيته أضواء هداية القرآن، وسماعه إنذارات عذاب الله للكافرين، ولما
مرد على النفاق ملتزما الثبات في موقع الكفر، طمس الله بصيرته بقانونه القدري الذي
اتخذ هو أسبابه.
شبه الله
عز وجل الصورة الكلية لهذا الصنف بصورة من استوقد ناراً في مفازة مظلمة موحشة ضمن
ليل دامس، فلما أضاءت هذه النار ما حوله من أرض المفازة، ورأى صراطه، وعرف سبيل
هدايته، ووجد أنه على غير ما يهوى ويشتهي، اتخذ وسيلةً أبعد بها عنه شعاع الضوء،
رافضا الاهتداء بالنور، متأبيا أن أن يسلك الصراط المستقيم إصراراً على الباطل،
ومعاندة للحق، فوقع عليه قانون ذهاب النور الذي تسبب هو في إذهابه، فأمسى كالأصم
الأبكم الأعمى، غير مستعد لأن يرجع إلى مواطن النور.
فوجه
الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد، والتشبيه قائم على تمثيل صورة ذات عناصر مختلفة
بصورة ذات عناصر مختلفة، والجامع بينهما وجه شبه يمثل أيضا صورة منتزعة من عناصر
متعددة. ومنه قول المهلبي الوزير :
الشَّمشُ مِن مَشرِقِهَا قَد بَدَت
مُشرِقَــــــــةً لَـــــــــيسَ لَـــــهَا حَاجِبٌ
كَأَنَّـــــــــهاَ بـــــــــوتَقــــــــــَـــــــــــةٌ
أُحمـــــــِيَت يَجُــــــــــولُ
فِـــــــــيهاَ ذَهَــــــــــبٌ ذَائِــبٌ
شبه المهلبيّ الشمس ببوتقة الصائغ التي يُذِيب بها
الذهبَ على النار، ووجه الشبه هنا منتزع من متعدد، إذ هو الهيئة الحاصلة من لون
الذهب، واستدارة البوتقة في هيئة مختلطة مركبة.
الاختتام
بناءً على
ما عرض الباحث من مضامين البحث الآتية، يمكن الاستنتاج بأهم الأمور التي يلخصها
الباحث في شتّى نتائج، كــــــــــما يــــــــــــــــــلي :
1.
التشبيه المركب :
التشبيه الذي يكون المشبه فيه مركّباً، والمشبه به مركباً. يراد بالمركب
هنا الصورة المكونة من عدد من العناصر المتشابكة المتماسكة.
2.
احتل موقف التشبيه المركب في علم البيان كأحد أقسام
التشبيه باعتبار طرفيه عن غيره من التشبيهات الأخرى.
3.
الفرق بين التشبيه المفرد والمركب :
-
إن التشبيه البسيط عبارة أخرى عن التشبيه المفرد، وهو
التشبيه المشتمل على التشبيه بمفرد، والمفرد فى البلاغة غير المركب، فإذا قلنا :
هذا الولد نظيف، فإن قولنا يدل على مفرد، وكذلك لو قلنا : هذان الولدان نظيفان،
وهؤلاء الأولاد نظيفون، فهي جميعا مفردة بلاغياً.
-
أما المركب، فهو التشبيه الذي يكون على شكل لوحة
تُصَوَّرُ أكثر من مفرد، ووجه الشبه فيه لا يكون مأخوذا من مفرد بعينه، بل يكون
مأخوذا منه و من غيره، أو من الصور العامة.
4.
وجهتان للتشبيه المركب :
-
ما كان على شكل عناصر متلاقية تقابل أمثالها في المشبه
به.
-
ما كان على شكل وحدة مركبة متداخلة تعطي بجملتها وجه
الشبه، دون ملاحظة التقابل الجزئي بين المشبه والمشبه به.
قائمة المصادر
1) زين العالم، محمد غفران، البلاغة في علم البيان، ( فونوروكو، دارالسلام
للطباعة والنشر، 2006 م )
2) شيخ أمين،
الدكتور بكري، البلاغة العربية في ثوبها الجديد، ( بيروت، دار الثقافة
الإسلامية، الطبعة الأولى، 1982 م )
3) الميداني، عبد الرحمن حسن، البلاغة العربية: أسسها وعلومها وفنونها،
( دمشق، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1996 م )